بينت الكاتبة سارة يركس، في مقال صدر بتاريخ 23 أكتوبر 2015 على موقع “ذي ناشيونال إنترست“-مجلة أمريكية نصف شهرية، تأسست سنة 1985-، أن تونس تتمتع بدعم الحزبين الرئيسين في الكونغرس الأمريكي، وهي الطفل المدلل للربيع العربي.
ولكن عندما صادق مجلس الشيوخ على مشروع قانون المساعدات الخارجية في يوليو الماضي، لم يمنح تونس سوى 35 بالمائة من مبلغ 143.3 مليون دولار تقريبا، طلبته الإدارة الأمريكية وصادق عليه المجلس.
ويتضمن مشروع القانون زيادة في صندوق الدعم الاقتصادي من 30 مليون دولار خلال السنة المالية 2015 إلى 55 مليون دولار في السنة المالية 2016، فضلا عن زيادة في التمويل العسكري الخارجي من 25 مليون دولار إلى 62.5 مليون دولار.
هذا ولم يوافق الكونغرس سوى على زيادات بسيطة في صندوق الدعم الاقتصادي (45 مليون دولار) وفي التمويل العسكري الخارجي (أكثر بقليل من 30 مليون دولار)، على الرغم من الهجومين الإرهابيين الأخيرين على تونس (باردو وسوسة).
شراكة
وبرر النواب في مجلس الشيوخ الأمر، في جزء منه، بأن وزارة الخارجية لم توضح بشكل كاف الحاجة إلى زيادة التمويل في تونس.
وقدمت الكاتبة أربعة أسباب تفسر لماذا كان يجب على الكونغرس أن يوفر مبلغ 134.4 مليون دولار كاملا لتونس. أولا، تحتاج تونس لدعم المانحين أكثر من أي وقت مضى، لأنها تعرف بيئة أمنية خطيرة على نحو متزايد، وتواجه تحديات اقتصادية كبيرة.
ثانيا، كانت تونس شريكا يمكن الاعتماد عليه بالنسبة للولايات المتحدة.
ثالثا، يمكن للاستثمار في تونس أن ينفع جميع أنحاء المنطقة.
ورابعا، تعهدت الإدارة الأمريكية سرا وعلانية بدعم تونس.
وأشارت الكاتبة إلى أن التقدم الذي تشهده تونس يتعرض للتهديد من بعض المحاولات المتعمدة لتقويض العملية الانتقالية، إضافة إلى الركود الاقتصادي واستمرار المظالم الاقتصادية، ما أدى إلى ثورة 2011 في المقام الأول.
ومنذ قيام الثورة، أكدت تونس أنها شريك يمكن الاعتماد عليه بالنسبة للولايات المتحدة،
ورغم أن الطلبات الأمريكية تجاه تونس كانت محدودة عموما، أبرزت الحكومة التونسية استعدادا للرد عليها، على غرار شروط المساعدة الأمنية.
وفي 3 أكتوبر الجاري ، أعلن رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد عن انضمام تونس لتحالف مكافحة ما يسمى بتنظيم “الدولة الإسلامية“، وسيتم تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الولايات المتحدة وحلفائها الآخرين.
وهو أمر لا يستهان به، نظرا للأعداد الكبيرة من المقاتلين التونسيين في كل من العراق وسوريا، كما تركت تونس الباب مفتوحا لأي دعم عسكري محتمل لجهود التحالف.
وأبرزت الكاتبة أن تونس كانت طرفا محايدا نسبيا على الساحة الدولية، عبر تاريخها، ولا ينبغي أن تكون هناك توقعات بأنها ستشارك في صراعات تتعارض ومصالح الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، بما أنها الديمقراطية العربية الناجحة الوحيدة، لديها الكثير من القيم التي تتشاركها مع الولايات المتحدة، على غرار التعددية والحكم الشامل والازدهار للجميع، لتبرر المساعدات الأمريكية لها.
مصدر للإلهام
من جهة أخرى، أشارت الكاتبة إلى أن التونسيين سئموا من اعتبارهم “نموذجا” في المنطقة. فنجاح تونس يعزى، في جزء كبير منه، إلى عوامل تجعل من تونس دولة فريدة من نوعها، بدلا من أن تمثل المنطقة: لديها سكان متجانسون، تاريخ من المؤسسات القوية والفاعلة، جيش بقي بعيدا عن المجال السياسي.
ولكن نجاح تونس يمكن أن يكون مصدرا للأمل والإلهام لأولئك الذين يقولون، لا يمكن للديمقراطية أن تنجح في الشرق الأوسط.
وعلى هذا الأساس، يمكن لنجاح تونس ألا يؤدي إلى تحول دول الشرق الأوسط الأخرى إلى ديمقراطيات، خاصة على المدى القصير، ولكن فشلها قد يكون له عواقب سلبية على الدول المجاورة وعلى المنطقة بشكل واسع.
وتجد تونس نفسها في موقع ضعيف، بين ليبيا والجيوب الإرهابية في منطقة جبل الشعانبي على الحدود التونسية الغربية مع الجزائر، وإذا تدهور الوضع الأمني بشكل كبير في تونس، فيمكن أن تتحول إلى جسر للإرهابيين في شمال أفريقيا، ما سيسمح للمتطرفين بالعبور نحو المغرب ومنه إلى أوروبا أو شرقا إلى مصر.
كما أن لتراجع الديمقراطية في تونس آثارا سلبية على الحرية السياسية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، وسيدعم ذلك أفكار أولئك الذين يقولون بأن الديمقراطية لا تتوافق ببساطة والمنطقة، ما يمكن أن يستخدم من قبل الحكام المستبدين لتبرير السلوك غير الديمقراطية وممارسة المزيد من القمع.
لذلك، يجب على الكونغرس الموافقة على التمويل الكامل الذي طلبته الإدارة الأمريكية لمساعدة تونس، وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد صرح، عقب لقائه الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، أن الولايات المتحدة تعتقد في تونس وفي نجاحها، وستعمل معها كشريك ثابت للسنوات القادمة.
من جهته، أشار السيناتور الأمريكي كريس مورفي، العضو في لجنة العلاقات الخارجية ولجنة الاعتماد، إلى أن هناك فجوة بين خطاب الولايات المتحدة لزيادة الدعم لتونس، وقرار مجلس الشيوخ بعدم الموافقة على طلب الإدارة الأمريكية كاملا.
اعتبرت الكاتبة أن زيادة الدعم يجعل من السهل في ما بعد حشد الجهات المانحة الأخرى (الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشكل خاص)، وأضافت أن مبلغ 134.4 مليون دولار هو مبلغ صغير، مقارنة مع احتياجات تونس التي تعتمد على شركائها الأوروبيين وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي أيضا.
كما أن عدم الموافقة على التمويل الكامل والاستمرار في تمويل دول الشرق الأوسط الأخرى بمستويات مضاعفة عشر مرات، يعطي انطباعا بالنسبة للجهات المانحة الأخرى بأن تونس ليست أولوية ولا تستحق دعما كبيرا لدى مجلس العلاقات الدولية والخارجية.
الكاتبة: سارة يركس، باحثة زائرة لدى مركز سياسات الشرق الأوسط لدى مؤسسة بروكنغز وباحثة لدى مجلس العلاقات الدولية والخارجية