دمج اللاجئين من الشرق الأوسط ليس أمرا جديدا في السويد. إذ فتحت البلاد أبوابها للمهاجرين من العراق قبل اثني عشر عاما وحققت نتائج مختلفة، كما يقول الصحفي ريتشارد أورانجه في تقريره عن حياة المهاجرين في مدينة مالمو.
منطقة «موله فانغن» النابضة في مالمو. قد لا تكاد ترى لها مثيلا فيما يخص التعدد العرقي، هناك في مقهى «سيمبان» يجلس منظم الحفلات الموسيقية العراقي رام النشمي وحيدا في المقهى، الذي يتردد عليه العديد من النخبة المثقفة في السويد. النشمي انشغل في استخدام جهاز الكومبيوتر اللوحي الذي أمامه بينما كان يتكلم من هاتفه المحمول، إنه يرتب حفلة موسيقية لعازف العود العراقي جعفر حسن عبود. بالنسبة للنشمي القادم إلى السويد عام 1991 فإن تواصل قدوم العراقيين يجعل من فرصة نجاح عمله، والإقبال عليه أسهل. ويقول النشمي «العديد من العراقيين المعروفين قدموا إلى السويد، وغيروا في البلد كثيرا، العديد منهم اندمجوا ثقافيا بشكل جيد، وهم متعلمون». عبود والذي قدم إلى السويد في العام 2007 وتدعمه فرقة «مسكوف» الفنية وهي فرقة مكونة من عازفين سويديين وأجانب يعزفون على الآلات الشرقية. وبحسب النشمي، «فإن العراقيين من أكثر الجاليات نجاحا في المهجر»، إلا أنه يعترف أن هنالك العديد من الجاليات الأخرى التي أثبتت نجاحها. ويقول «لا تستطيع مثلا مقارنة العراقيين مع الإيرانيين مثلا أو مع القادمين من تشيلي، إنهم موجودون منذ مدة طويلة في السويد ومندمجون بشكل جيد».
فرص عمل متوافرة لمن يرغب
ما يقارب من نصف سكان مدينة مالمو، وهي ثالث أكبر مدينة في السويد، ينحدرون من أصول أجنبية، أي حوالي 43 % من مجموع سكان المدينة، والجالية العراقية تشكل واحدة من أكبر المجموعات هناك. في الشارع المقابل لمقهى «سيمبان» تتواجد محلات خضار وفواكه يتكلم أصحابها اللغة العربية بحماس، كما أن هنالك مقهى عراقيا آخر يدعى «كوميكا» يجتمع فيه الوافدون الجدد.
وعلى بعد ثلاثة كيلومترات من المكان، توجد ضاحية «روزين غارد» حيث يشكل المهاجرون هناك ما نسبته 80-90 % من سكان هذه المنطقة التي تعتبر رمزا لمشاكل الاندماج في السويد خاصة مع الاضطرابات التي حصلت في السويد عام 2008. ميديان زنون صاحب المقهى العراقي «كوميكا» وأحد رجال الأعمال الناجحين يهز رأسه لدى سماع اسم المنطقة السكنية «روزين غارد»، ويقول «هنالك العديد من سكان هذه المنطقة درسوا وأصبحوا أطباء ومهندسين، واندمجوا بشكل كامل. من يريد العمل، فهنالك عمل للجميع. ولكن بعض الناس لا يريدون ذلك».
زنون قدم إلى السويد من مدينة الموصل عام 1989 وسرعان ما حصل على وظيفة في مصنع زجاج ثم استخدم مدخراته بعد خمس سنوات من أجل إقامة مشروعه الخاص. ويقول «لقد تمت معاملتي على قدم المساواة مع السويديين هنا، وبالمقارنة عما سمعته عن وضع المهاجرين في ألمانيا وبريطانيا أعتقد أنه هنا الأفضل». وبالفعل أثبت العراقيون أنهم قادرون على النجاح في أعمالهم الصغيرة، حيث هنالك العديد من الأطباء والمهندسين العراقيين الذين شقوا طريقهم داخل نظام العمل السويدي».
«دائما ما تكون البداية صعبة»
تامر وحيد جاسم والبالغ من العمر 37 عاما وجد وظيفة مهندس، عندما جاء قبل سبع سنوات. إلى مالمو ويقول بحسب تجربته إن «أصعب شيء في البداية هو إيجاد موطئ قدم، فالبداية عادة ما تكون صعبة».
ويضيف «أنا أعرف شخصا حاصلا على شهادة الماجستير في هندسة الطيران، إلا انه عاطل عن العمل ويعمل الآن في مساعدة الوافدين الجدد، ويتابع جاسم لم يكن من السهل إيجاد مكان في سوق العمل. لقد استثمرت سنتين من عمري لإكمال دراسة الماجستير بينما تمت نصيحتي من قبل موظف في إحدى الدوائر الرسمية أن أركز جهدي في البحث عن عمل في أحد المطاعم». ويتابع جاسم «بالنسبة للآخرين الذين يملكون قدرات أقل فإن الفرصة أصعب. إنه لأمر مخز أن أقول هذا ولكن عددا كبيرا من العراقيين هنا، حوالي 60 % منهم، ليس لديهم تعليم ولا يريدون الاندماج». ولا يعلم جاسم عدد العاطلين عن العمل من العراقيين إلا أنه يرجح بأنه كبير. ويقول «الإيرانيون استفادوا بشكل أكبر، كونهم قدموا بفترة أبكر 10 إلى 15 سنة من العراقيين، حيث كانت هناك فرص عمل أكثر متوافرة. لذلك استطاعوا أن يحسنوا من ظروف إقامتهم». إلا أنه يرى أن السوريين القادمين هم «أكثر انفتاحا على العالم من العراقيين»، ومشاكلهم أقل حيث عانى العراقيون 30 عاما تحت حكم صدام حسين من العزلة التامة عن العالم الخارجي. من جهة أخرى يرى النشمي أن مستوى تعليم العراقيين، منخفض ومثير للقلق، كما أن قدوم اللاجئين إلى السويد أصبح متاحا لجميع فئات المجتمع، ويقول «عندما قدمت هنا مع والدي، كانت التكلفة الوصول إلى هنا مرتفعة جدا وكانت تتطلب أموالا طائلة، إلا أنها متوافرة الآن بمبالغ زهيدة، لا تتعدى 500 دولار». وبحكم عمله الليلي في مركز مساعدة للاجئين القادمين يقول النشمي بأن «السوريين الذين قدموا قبل ثلاث أو أربع سنوات، كانوا على درجة عالية من التأهيل المهني. بعكس القادمين الجدد. الذين قدموا أولا كانوا يملكون تعليما أفضل وأموالا أكثر»، بحسب النشمي.
السويد من جهتها تحاول تحقيق التوازن المجتمعي عن طريق زيادة الاستثمار في تدريب الوافدين الجدد. ومن يرى مكتبة «روزين غراد» الآن يرى العديد من الطلبة من العالم العربي، ومن الصومال وأفغانستان، وهم منهمكون في قراءة الكتب أو تعلم السويدية.
التعليم الجامعي في السويد مجاني، كما أن الحكومة السويدية دفعت 17 مليار يورو من أجل تحسين ظروف التعليم، واستثمرت مبالغ كبيرة في تقديم منح ومبالغ مالية للطلاب. من ناحيته يثمن تامر جاسم هذه الخطوة ويقول «هذا أمر رائع، وهذه التسهيلات غير موجودة في دول أخرى مثل بريطانيا وأميركا حتى»، إلا أن جاسم لا يعرف إن كان بإمكان الوافدين الجدد أن يستفيدوا من التشجيع المالي للتعليم الجامعي الذي تقدمه الحكومة، ويقول إذا حدث هذا فمن الممكن أن تصبح مقاعد الجامعات متنوعة ومختلطة مثل منطقة «موله فانغن».