téléchargement (3)

ذكر الدكتور المختص في العلوم السياسية بجامعة أوفيرني الفرنسية محمد فرج بن لمة في تحليل نشر على موقع المعهد الفرنسي للدراسات الدولية والإستراتيجية ايريسيوم 2 نوفمبر الجاري بعنوان: “حكومة الوفاق الوطني في ليبيا : بين التحديات وفرص النجاحأنه رغم مرور أكثر من أربع سنوات على سقوط نظام القذافي، ماتزال ليبيا تعاني من الفوضى، في ظل انقسام البلاد بين حكومتين وبرلمانين يتنازعان السلطة والنفوذ.

وأشار بن لمة إلى مقترح المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا برنادينو يوم 8 نوفمبر الماضي بالصخيرات المغربية تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتعيين فايز السراج رئيسا لها مع ثلاثة نواب يمثلون شرق وغرب وجنوب البلاد، مع إبقاء السلطة التشريعية بيد برلمان طبرق، وتمكين المؤتمر العام من مجلس الدولة كسلطة استشارية.

وأضاف بن لمة أن رفض كل من مجلس نواب طبرق والمؤتمر العام لمقترح ليون كان مرفوقا بتأكيد الفرقاء على التزامهما باستئناف المفاوضات في المغرب تحت إشراف الأمم المتحدة.

ويقدر بن لمة أن مشروع الاتفاق لا يمنح ضمانات كافية للالتزام بالشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، كما يعترض مجلس النواب المنتهية ولايته يوم 20 أكتوبر الماضي على تمكين رئيس حكومة الوحدة من إعفاء رئيس أركان الجيش اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في الوقت الذي تستمر فيه التحركات والتطورات، في محاولة لتجاوز العقبات الصعبة التي تضعها كل الأطراف من أجل الموافقة على تشكيل حكومة الوحدة.

ويقر الباحث الفرنسي أن مشروع الاتفاق يبقى مرحلة مهمة في مسار طويل للتوصل إلى السلام والاستقرار، لكن الأصعب مازال لم ينجز بعد، خاصة في ما يتعلق بنزع سلاح الكتائب والانطلاق في بناء مؤسسات الدولية.

ويعتبر انعدام الأمن أكبر العقبات التي تواجهها ليبيا منذ 2011، بعد فشل كل المحاولات لإدماج وحل الكتائب الثورية، حيث فشلت كل الحكومات الانتقالية المتعاقبة في إصلاح الجهاز الأمني، وبالرغم من أن الكتائب مدمجة رسميا في الهياكل الأمنية، إلا أن ليبيا لا تملك اليوم جهازا أمنيا وعسكريا نظاميا، قادرا على لعب دور رئيسي في حماية المسار الانتقالي.

وكانت الكتائب المسلحة التي تشكلت سنة 2011 قد تحصلت على تراخيص من السلطات السياسية ممثلة في المجلس الوطني الانتقالي السابق والمؤتمر العام ومكتب رئيس الحكومة ممثلا في وزارتي الداخلية والدفاع ورئاسة أركان الجيش للقيام بمهام أمنية، ما جعل مهمة نزع سلاح الكتائب أمرا معقدا، خاصة في ظل ضعف مؤسسة الجيش، فضلا عن ولاء الكتائب لقيادات موازية للقيادات الرسمية، تعمل على خدمة مصالح المدينة أو المنطقة التي ينتمون إليها.

ويضيف بن لمة أن الوضع الفوضوي في ليبيا لا يقتصر تداعياته على الأمن، بل على اقتصاد البلاد، حيث تراجعت العائدات النفطية التي تشكل العصب الحيوي للاقتصاد الليبي بنسبة 30 بالمائة من 20 مليار دولار سنة 2013 إلى 14.6 مليار دولار في سنة 2014، ما يشكل فقط ثلث عائدات 2010 ، في ظل تكرار إغلاق الموانئ والحقول النفطية.

ويضيف الباحث أن عدم استقرار هياكل الحكم وهشاشة أجهزة التصرف في العائدات النفطية وتصاعد المواجهة بين الحكومات ومصرف ليبيا المركزي، جعل المصادقة على ميزانية السنة الحالية أمرا مستحيلا إلى حد الآن.

أولويات

وتصاعدت أزمة الميزانية الليبية هذه السنة إلى درجة عدم صرف رواتب الموظفين لثلاثة أشهر،

علاوة على توقفت المشاريع الضخمة، فضلا عن مغادرة كل المؤسسات الأجنبية للبلاد، ما جعل عدة مشاريع بنى تحتية تتوقف في نصف الطريق، كما تسببت المواجهات بين الطرفين في إغلاق مطاري وموانئ أكبر مدينتين في البلاد هما بنغازي وطرابلس.

ويرى الباحث الفرنسية أن مسار العدالة الانتقالية يجب أن تلعب دورا أساسيا في إعادة بناء وحدة البلاد وتفادي عودة العنف والثأر.

ويمكن التأسيس لهذا المسار عبر تشكيل أجهزة مكلفة بتقصي الحقائق وآليات تضمن الشفافية القضائية وبرامج جبر الضرر، لكن بن لمة يؤكد أن هذه المهمة تبقى شاقة ومعقدة.

وشدد بن لمة على أن السلم الأهلي يمر ضرورة عبر الوعي الاستراتيجي بمصلحة البلاد العليا، ووحدة المصير الثقافي والدبلوماسي والاقتصادي،  تجاوزا للعقد القبلية.

مسؤوليات

ويضيف بن لمة أن نجاح أو فشل المسار الانتقالي يقع في جزء منه على عاتق المجتمع الدولي، من خلال دعم حكومة الوحدة سياسيا واقتصاديا وعسكريا بطريقة توصل رسالة إلى القوى المحلية والمناطقية، أنه يجب التوقف على خدمة مصالحها الخاصة والالتزام بخدمة الاستقرار والسلام.

ويقر الدكتور المختص في العلوم السياسية أن الحسابات المحلية ودعمها لبعض الأطراف المسلحة، يزيد من الدفع نحو العنف، ويعطل أي مسار للمصالحة الوطنية، ما يعني أن على الكتائب المسلحة أن تقبل بفكرة نزع السلاح، مع ضرورة إعادة بناء شرعية الدولة ومؤسساتها، وكل ذلك لا يمكن أن يتم إلا من خلال دعم المجتمع الدولي.

ويخلص بن لمة إلى القول إن الوضع في ليبيا غامض ومعقد والعقبات متعددة ومتنوعة من أجل إخماد الموجات السلبية للعنف والفوضى، التي تحولت إلى ثقافة ليبية ما بعد الثورة، لكن غياب أي اتفاق سياسي بين مختلف أطراف النزاع، يعني أنه لا يمكن العودة للاستقرار وسيادة المؤسسات.

ويضيف بن لمة أن فشل مسار الحوار سيطرح تحديات صعبة، على غرار استئناف الحرب الأهلية، ما يهدد بتآكل ما تبقى من مؤسسات الدولة وأهمها مصرف ليبيا المركزي والهيئة الليبية للاستثمار والمؤسسة الوطنية للنفط، الأمر الذي يجعل سيناريو الإشراف الدولي على البلاد مسألة وقت.

ويدعو بن لمة الأطراف الليبية إلى الاستئناس بتجربة تونس في الحوار والتوافق، ما مكن مؤسسات المجتمع المدني من الحصول على جائزة نوبل للسلام.

تعليقات