ربط مراقبون زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لتونس والتي تبدأ غدا الجمعة بالتحولات الإقليمية في شمال أفريقيا وعزم روسيا على توسيع نفوذها في هذه المنطقة، إلى جانب رغبة الولايات المتحدة في إقامة قاعدة عسكرية جنوب تونس.
يبدأ وزير الخارجية الأميركي جون كيري غدا الجمعة زيارة لتونس هي الثانية له في غضون عام، وُصفت بأنها غامضة، وتأتي في توقيت مُريب تزامن مع تزايد الحديث عن رغبة أميركية جامحة في إقامة قاعدة عسكرية في البلاد، ووسط عاصفة تُهدد بانفراط عقد الحزب الحاكم حركة نداء تونس بما يخدم حركة النهضة الإسلامية التي مازالت بعض الدوائر الأميركية تُراهن عليها ضمن إطار الدعم المُقدم لتيارات الإسلام السياسي.
وتختلف هذه الزيارة عن زيارة العام الماضي التي أعلن فيها جون كيري عن انطلاق الحوار الإستراتيجي بين بلاده وتونس، لسببين اثنين؛ أولهما أنها تأتي بعد أقل من شهر على زيارة قائد سلاح الجو الأميركي بأفريقيا وأوروبا، الجنرال فرانك قورانك إلى تونس، بينما الثاني مُرتبط بتزايد التصريحات الأميركية التي تعكس قلقا إستراتيجيا من المُتغيرات المُتسارعة التي تشهدها منطقة شمال أفريقيا ارتباطا بتطورات الأوضاع في ليبيا.
ويرى مراقبون أن هذه الزيارة التي قالت وزارة الخارجية الأميركية إنها تندرج في سياق الجولة الثانية من الحوار الإستراتيجي الأميركي–التونسي، تحمل في طياتها دلالات سياسية وأمنية وعسكرية بالغة الخطورة ستكون لها تداعيات مباشرة على الأوضاع في تونس، ومُجمل المنطقة.
ويذهب البعض إلى حد القول إن الغموض الذي أحاطت به السلطات التونسية والأميركية هذه الزيارة، يدفع إلى إثارة تساؤلات مُتعددة حول دوافعها وأهدافها.
وبحسب زهير حمدي عضو مجلس أمناء الائتلاف الحزبي التونسي “الجبهة الشعبية”، فإن هذه الزيارة خطيرة، بالنظر إلى توقيتها المريب، والغموض الذي يحيط بالاتفاقيات التي أبرمتها تونس مع الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية، وخاصة الاتفاقية التي جعلت تونس حليفا إستراتيجيا لأميركا غير عضو في حلف الشمال الأطلسي (الناتو).
وقال لـ”العرب” إن الأوساط السياسية التونسية الحريصة على سيادة البلاد، “تتوجس من هذه الزيارة، لأنها لا تصب في مصلحة تونس بقدر ما تندرج في سياق استمرار النهج الأميركي الذي يستهدف إذعان دول المنطقة وجعلها خاضعة لمشاريع وبرامج بعيدة كل البعد عن المصالح العليا لتلك الدول وشعوبها”.
ولم يتردد زهير حمدي في التحذير من أبعاد هذه الزيارة، التي قال إنها تتزامن مع عودة الحديث ليرتفع مرة أخرى حول رغبة أميركية في إقامة قاعدة عسكرية في تونس، في سياق مخطط لاحتواء توسع الحضور الروسي الذي بدأ يقترب من منطقة شمال أفريقيا على ضوء المعلومات. وتجد تخوفات زهير حمدي صدى لها لدى غالبية الأوساط السياسية التونسية التي كثيرا ما حذرت من مغبة السماح لأميركا بإقامة قاعدة عسكرية لها في البلاد، وهو تحذير ارتفعت حدته على وقع معلومات تواترت حول بدء السلطات التونسية في توسيع مطار مدينة قفصة (350 كيلومترا جنوب غرب تونس العاصمة) ليسمح بهبوط طائرات كبيرة.
وفيما جدد زهير حمدي التحذير من مخاطر هذه الزيارة، وشدد على أن سيادة تونس “ليست للبيع أو المساومة”، لا يُخفي الأكاديمي التونسي حسان قصار خشيته من أن تكون زيارة جون كيري لتونس مُرتبطة في شق منها بترتيبات أميركية بين حركتي نداء تونس، والنهضة الإسلامية على ضوء تردي المشهد السياسي وتفككه بسبب الأزمة التي تعصف بحركة نداء تونس.
وبين هذا الرأي وذاك، ثمة إجماع على أن زيارة كيري لتونس ليست مرتبطة فقط بالحوار الإستراتيجي الأميركي-التونسي، وليست لتنسيق الجهود في إطار الحرب على الإرهاب، ولا هي مناسبة لتجديد التضامن الأميركي مع تونس، وإنما هي مرتبطة بصفقة كبيرة تتجاوز الداخل التونسي لتشمل المنطقة بأسرها.