هل تراجع معدّل البطالة في ليبيا خلال 2022، وهل تصدق توقعات البعض بحدوث انفراجة خلال العام 2023 في ملف إعادة الإعمار وبالتالي في قطاع التشغيل؟ ربما. فحسب تصريحات مسؤولين في حكومة الوحدة الوطنية الموقتة انخفض عدد المتعطلين إلى 220 ألفاً من 340 ألفاً في السنوات الماضية، فيما بلغ عدد الباحثين عن العمل ربع مليون شخص سجلوا بياناتهم في وزارة العمل والتأهيل.
وحسب تصريحات الناطق باسم وزارة العمل عبدالقادر أبوشناف إلى قناة «الوسط» (Wtv)، أذيعت عبر برنامج «اقتصاد بلس» فان تلك الإحصاءات تحتاج إلى مراجعة وتدقيق بشكل رسمي، منوهاً بأنه لا توجد نسب دقيقة لمعدلات البطالة في ليبيا.
تقديرات نسب البطالة في ليبيا
ووفق الإحصاءات المتفاوتة تتراوح نسب البطالة بين 19 % و30 %، بينما تختلف أنواع البطالة، بين من لا يجد عملاً على الإطلاق (البطالة الصريحة)، ومن يحصل على راتب ومقيد على وظيفة حكومية دون أن يعمل بشكل فعلي أو منتج (البطالة المقنعة).
أبوشناف أشار إلى أن هناك 100 ألف خريج سنوياً في ليبيا، بينما يبلغ معدل الفقر 42 % وفق بيانات وزارة الشؤون الاجتماعية بحكومة الوحدة الوطنية الموقتة، فيما تسبب الفقر في بحث المواطنين عن عمل إضافي.
وفي 27 يوليو 2022 قال وزير العمل والتأهيل بحكومة الوحدة الوطنية الموقتة علي العابد، إن عدد الباحثين عن العمل المسجلين بالمنظومة تقلص من 340 ألفاً إلى 220 ألف باحث، مشيراً إلى ارتفاع عدد الموظفين في الدولة ليتجاوز مليونين و400 ألف موظف.
لكن متابعين للشأن الليبي يرون عدم حاجة مؤسسات الدولة إلى هذا الكم الهائل من الموظفين الجدد في قطاعاتها الوزارية، ويوضحون أن «هذه الزيادة قد ينجم عنها خروقات في صرف الرواتب وهي مسألة كانت محل مراسلات بين رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك وحكومة عبدالحميد الدبيبة، حيث أرسل شكشك قبل أشهر كتاباً إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة بشأن التضخم في الملاكات الوظيفية وأعداد العاملين بالجهاز الإداري للدولة».
المحرومون من رواتبهم
وفي 22 أغسطس الماضي، رد الدبيبة بأن «حكومته لم تقم بالتعاقد أو تعيين أي موظفين جدد، ولكن تعالج رواتب الموظفين الذين يعملون منذ سنوات دون الحصول على حقوقهم».
وفي آخر تقرير سنوي لديوان المحاسبة، جرى رصد ارتفاع ملحوظ في باب الرواتب مقارنة بالأعوام السابقة، حيث بلغت الزيادة عن العام 2020 نحو 5.8 مليار دينار وبنحو 8.4 مليار دينار عن العام 2015، الذي بوشر فيه تطبيق الرقم الوطني على الرواتب.
ورغم احتواء القطاع الحكومي على أعداد كبيرة من الموظفين؛ فإن البطالة متفشية بنسب استقرت عند 19 % على مدى السنوات العشر الماضية، حسب تقديرات مؤسسات مالية دولية. في وقت تضاعف بند الأجور والرواتب العامة ليصل إلى 17 % من إجمالي الناتج المحلي في ليبيا حسب صندوق النقد الدولي.
أغلب الشباب موظفون
العابد وفي لقاء بثته منصة «حكومتنا» على «فيسبوك» أكد عدم وجود رقم دقيق لمعدل البطالة في ليبيا، كما لا توجد بيانات للعاملين بالقطاع الخاص، غير أن «البطالة في ليبيا بطالة مقننة، بحيث لا توجد لدينا بطالة بمسمى البطالة»، لافتاً إلى أن «أغلب الشباب لديهم وظائف سواء في القطاع الخاص أو في الدولة».
وعن برامج تدريب المواطنين مع الشركات الأجنبية وإدماجهم في القطاع الخاص في جميع مناطق ليبيا، لفت وزير العمل والتأهيل إلى وجود خطة لتدريب الباحثين عن العمل في ثلاثة مواقع، الأول مصنع الحديد والصلب بمصراتة، والثاني مركز رفع الكفاءة بالزاوية، والثالث مركز تدريب مشروع النهر الصناعي في بنغازي.
إدماج الشباب في المجموعات المسلحة بسوق العمل
العابد أشار أيضاً إلى برنامج إدماج الشباب المنضمين بالمجموعات المسلحة، باعتباره أحد المشاريع الأساسية لدعم استقرار ليبيا، وهي مبادرة تستهدف تأهيل وإعادة إدماج الشباب المنضوين تحت التشكيلات المسلحة في صفوف العمل، ليس بالضرورة ضمهم لوزارتي الدفاع أو الداخلية، ولكن تدريبهم وضمهم للوظائف المدنية والمهنية. وفي 23 أكتوبر 2021، أطلقت وزارة العمل والتأهيل مبادرة تستهدف تأهيل وإعادة إدماج الشباب المنضوين تحت التشكيلات المسلحة في صفوف العمل، حيث أشارت وقتها إلى «تشكيل لجان فرعية، وعقد اجتماعات بحضور رئاسة الأركان ووزارة الداخلية وأيضا ًالبرنامج الليبي لإعادة التأهيل بشأن وضع الخطط الكفيلة».
الوزير أعاد التذكير بالمبادرة في 27 سبتمبر 2021، حين أعلن إلزام الشركات المشاركة في برنامج إعادة الإعمار بتخصيص 30 % من قوة العمل لديها لليبيين، وفق القوانين والتشريعات المنظمة لسوق العمل في ليبيا، قائلا: «أي شركة تستجلب عمالة تلتزم بتشغيل 30 % من الليبيين الباحثين عن العمل، إضافة إلى 20 % للتدريب».
استراتيجية إدارة القوى العاملة في ليبيا
وفي منتصف ديسمبر الجاري شاركت وزارة العمل والتأهيل مع وزارتي الخارجية والداخلية في ورشة العمل لدراسة جدوى حول إدارة القوى العاملة في ليبيا بدعم من منظمة الهجرة الدولية IOM Libya وبعثة الاتحاد الأوروبي في ليبيا، وجرى عرض تجارب دول إيطاليا وإسبانيا والمغرب في الاستفادة من العمالة الأجنبية غير المنظمة والطرق المثلى في تسوية أوضاعها خصوصاً الفئة التي دخلت بطرق شرعية وعبر المنافد الرسمية.
وزارة العمل عرضت استراتيجيتها حول هذا الملف وما جرى اتخاذه من إجراءات بخصوص العمالة غير المنظمة مثل إطلاق منصة وافد للاستجلاب وتسوية أوضاع العمالة الوافدة بطرق شرعية وفق القوانين والتشريعات النافدة، وكذلك توقيع عدة مذكرات تفاهم لتبادل الأيدي العاملة وفق احتياجات سوق العمل الليبية مع عدة دول منها مصر والنيجر وتونس وكذلك التوجه إلى إبرام مذكرات أخرى مع عدة دول في الفترة القريبة المقبلة للحد من ظاهرة العمالة غير المنظمة.
إعادة الإعمار
وترتبط أرقام التشغيل والبطالة في ليبيا بملف آخر وهو إعادة الإعمار، وتتباين تقديرات تكلفة إعمار ليبيا، فحسب المنتدى الاقتصادي الذي عقد في إيطاليا أغسطس 2021 تطل كلفة مشروعات البنى التحتية والطاقة والمياه والصحة وغيرها إلى نصف تريليون دولار، بينما تتراوح تقديرات محلية بين 100 و200 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة بواقع 10 مليارات دولار سنويا.
وفي سبتمبر 2022، أعلن وزير الشؤون الاقتصادية بحكومة عبدالحميد الدبيبة سلامة الغويل أن فاتورة إعادة الإعمار تقدر بحولي 111 مليار دولار، وقال خلال زيارته إلى العاصمة المصرية القاهرة، إن الشركات المصرية ستحظى بنصيب الأسد من المشروعات بنسبة 70 في المئة.
وفي ديسمبر 2021 وبعد أيام من إطلاق منظومة الربط الإلكتروني لتنظيم وتسهيل تنقل العمالة بين مصر وليبيا للمشاركة في إعادة الإعمار ومشاريع عودة الحياة إلى طبيعتها، قال وزير العمل والتأهيل علي العابد إن وزارته لديها خطة لاستقدام العمالة المصرية إلى ليبيا، مؤكداً أن «ليبيا تستهدف استقبال حوالي مليوني عامل مصري خلال العامين المقبلين، للمشاركة في إعادة إعمار ليبيا».
وأوضح أن «العمالة المصرية تتوافد على ليبيا، ومن المقرر وفقاً لخطة استقدام العمالة المصرية إلى ليبيا، استهداف حوالي مليوني عامل، سيجري استقدامهم على مرحلتين خلال عامين، بحيث تشمل من 3 إلى 4 دفعات بإجمالي مليون عامل في 2022، ومليون في العام التالي لقطاعات البناء والتشييد وبناء الجسور والطرق والكباري، ومنشآت البنية التحتية».
أشار وزير العمل والتاهيل إلى تخصيص نسبة من العمالة المصرية لقطاعات الأطباء والتمريض والتعليم للاستعانة بها في تشغيل المنشآت الصحية والتعليمية الحيوية.