قالت الدكتورة أم العز الفارسي أستاذة العلوم السياسية بجامعة بنغازي الليبية، أنها لا تعول على نظرية المؤامرة لتبرير ما آلت إليه أحوال الدول العربية التي لم تفلح في بناء قوة حقيقية بين أفراد المجتمعات والنظم السياسية.
وأستبعدت في حوار أجرته لـ“بوابة الشرق” ضمن مشاركتها بأعمال مؤتمر يبحث ظاهرة التطرف عُقد مؤخراً بمكتبة الإسكندرية، وجود فرص لتقسيم الدولة الليبية على غرار إنقسامها لثلاثة ولايات قبل استقلالها.
وأكدت ضرورة إشراك الشباب بالمنتديات الحوارية لاستيعاب رؤاهم، وتحليل أسباب انجرارهم لعقائد وتنظيمات متطرفة.
كما شمل حديثها تفنيد للشأن الليبي المتضاربة المعلومات حوله إعلاميا ودور المرأة في حراك تشهده بلادها، إضافة إلى تقييم نواقص مناهج التعليم المؤثرة سلباً بمكونات الشخصية العربية.
إلى نص الحوار
– أطلعينا على مستجدات الشارع الليبي التي لا تصل للجميع بصورة واضحة؟
النقلة الثورية التي شهدتها ليبيا عام 2011 قادها في البداية أشخاص عانوا استبداد وتنكيل نظام الحكم السابق، لكن سعادتهم بإسقاط النظام أنستهم قوى متطرفة تبحث جرهم لما هو أبعد من تكفير النظام السياسي وأبناء المجتمع, ففي الوقت الذي كان يعمل فيه التيار المدني لإعادة هيكلة مجتمع يتمتع بالتنمية والاستقرار كان المتطرفون يبحثون عودة المجتمع إلى غياهب الجاهلية.
وللأمر بعد تاريخي يعود للفترة من عام 1952 إلى عام 1969 عندما نجحت ليبيا في نيل الاستقلال ومواجهة الاستعمار الأجنبي، وتم اكتشاف النفط الذي وُظفت عوائده لتحقيق نقلة تقدمية شملت مؤسسات التعليم والبنية التحتية.
والجدير بالذكر أن ليبيا ما بعد الاستقلال حظيت بدستور من أهم الدساتير وكانت هناك توقعات عريضة بقدرة انقلاب 1969 الذي ساندته المنطقة على تطبيق تغييرات إيجابية لكن كان العكس مع هيمنة رجال السلطة.
فمن يزور ليبيا اليوم ورغم ما يتحدث عنه الإعلام من امتلاكها ثروات تؤهلها لمصاف الدول الغنية يجدها دولة ذات بنية تحتية منهارة ونظام تعليم قائم على أفكار العقيد القذافي بكل التخصصات العلمية، مما أفقد الشعب الوعي اللازم.
ووسط كل هذه الظروف تنامت فئات اجتماعية حُرمت من التعليم الجيد والحياة الآدمية فكانت مؤشرات طبيعية أن يجنحوا نحو التطرف، خاصة مع عدم قدرة النخبة الواعية إطلاق شرارة التغيير حيث زُج بالرموز إلى السجون والمشانق تحت ذريعة الإطاحة بنظام الحكم وتأسيس أحزاب سياسية.
لكن هناك ثقة بمقدرة نخب عسكرية وأمنية كانت تعمل دوماً لصالح البلاد، وليس النظام على إعادة الدولة لنصابها الصحيح.
– ما هي فرص تقسيم ليبيا على غرار حالها قبل الاستقلال في ظل التوترات الراهنة؟
القلق بهذا الخصوص مطروح لكن بصفتي مواطنة ليبية أقول أن النسيج المجتمعي محكم في الدولة الليبية، فداخل الأسرة قد يكون الزوج منحدراً من الشرق وزوجته من الغرب وعندما حصلنا على الاستقلال وتم اكتشاف النفط فكر الشعب الليبي في كيفية استثماره لتعود ثمار التنمية على المجتمع بمجمله وأستبعد فكرة التقسيم.
فإذا كنا توحدنا في ظروف استثنائية وصعبة فلا مجال للحديث عن التقسيم بظروف تستدعي أن نكون أكثر وحدة لمكافحة التطرف والإرهاب، الذي لا يهدم بناء الدولة فحسب وإنما يعصف بقيم المجتمع والبنيان الثقافي.
– هل الدول الغربية استثمرت أم صنعت حالة التطرف للتدخل في شؤون الدول العربية؟
أنا لا أحبذ الحديث عن وجود نظريات تآمرية وأننا مستهدفين من قبل عالم غربي يريد تفتيتنا، نحن ضعفاء ويجب أن نعترف بذلك لأننا فشلنا في خلق علاقة متينة بين المجتمعات والنظم السياسية، فباتت الدولة في إطار والمجتمع في إطار آخر فأصبحنا متفككين ولكن هذا لا يعني أن الدول التي لها نوايا استعمارية ليست مستفيدة بشكل ما والدليل وصول سعر برميل النفط إلى 30 دولارا بحلول 2016، بعدما كان يُقدر ب 120 دولارا عام 2011، وداعش باتت تبيع النفط مجانا تقريبا وقد نجد أنفسنا في مواجهة النفط مقابل الغذاء لأن دولنا تفتقر التصنيع والعلم والثقافة وليست منبراً لشيء لكي نلوم العالم ونتهمه بمحاولة ظلمنا علينا توجيه الأسئلة لذواتنا وتضفير الجهود لبناء عناصر القوة.
– ما الذي ينقص مناهج التعليم بالمنطقة العربية لخلق اتزان فكري يواجه التطرف المتصاعدة وتيرته؟
ينقصها الثقافة السياسية والمواد التي تُعيد إحياء الروح والشخصية والهويتين العربية والإسلامية بشكل حضاري، نريد مناهج ترسخ ثقافة المجتمع المدني الذي لا يعتمد على الدولة باعتبارها مانح والمجتمع مجرد ممتن لهبات الدولة.
الدولة ليست موجودة لكي تهبنا نحن موجودون لكي نهب الدولة قوتها وليس العكس.
– المرأة كان لها دور بارز في جميع الثورات العربية، ماذا عن وضع المرأة الليبية؟
الآن يريدون العودة بالمرأة الليبية إلى عصور ظلامية رغم المكانة الكبيرة التي تحظى بها في تراثنا الثقافي وإرثنا الإجتماعي وإسهامها بشكل حيوي في بناء الأسرة، كما أنها كانت ضمن أساسيات دستور عام 1952 الذي كفل لها حق التعليم بصفة إلزامية ومباشرة الحقوق السياسية وبالتالي المرأة لم ينقصها شيء لا سابقا ولا لاحقا باستئناء الآراء الرجعية المنتشرة حاليا.
ما تفسيرك لإنصياع المسلمين الذين يمكثون بمجتمعات غربية لآراء متطرفة رغم تمتعهم بظروف معيشية وثقافية أفضل حالا من المجتمعات العربية؟
هناك فرقين جوهريين، الأول متمثل في أنظمة عربية حرصت على جعل التعليم الديني أداة تحيي الوعي المجتمعي لصرف الانتباه عن الشأن السياسي والانخراط فيه فوقعت في شر أعمالها.
أما من يذهبون إلى المجتمعات الغربية فيكونون منغلقين على قيم ومعتقدات تمنعهم من التفاعل بالأمور الروحية والإنسانية، فيتقوقعون على ذواتهم وتأتيهم رسائل غيبية تحثهم على فكر الجهاد وأن الآخرة لديها مميزات خلافا للدنيا التي تغرر بالإنسان، ومن ثم يكون قنبلة موقوتة تنفجر لكي تحقق الذات.
– هل يكمن حل مواجهة التطرف في حل عسكري أم سياسي أم فكري؟
من أهم الحلول إشراك الشباب بمختلف تنوعاتهم وأفكارهم بالمنتديات الحوارية لكي نسمع منهم، لابد الاستماع إلى الشباب المتطرف لتحليل أسباب استقطابهم وتفاعلهم بالمنظمات المتطرفة وإعداد خطاب للنشىء يعيد إحياء قيم الإنسانية، لأننا عندما نرصد نحن العجائز أحوال هذا الجيل ونقارنها بالماضي نجد أن ثقافتنا مختلفة عنهم تماما لأننا تربينا على أيدي مثقفين خاطبوا الروح والعقل وصنعوا منا أشخاصاً صالحين.