ذكر الدبلوماسي الفرنسي السابق في ليبيا باتريك هايمزاده في تقرير نشره موقع أورينتكسي الفرنسي – موقع يقدم على أنه مستقل، أسس سنة 2008 ، مختص في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا– يوم 19 نوفمبر الماضي بعنوان: “الطرق الملتوية لإعادة الوحدة الليبية” أنه بمرور أربع سنوات على سقوط نظام القذافي، لم تفهم كل الأطراف بما فيها المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا بأن الطريق الوحيد لإعادة الاستقرار هو إدماج كل الأطراف المحلية من أحزاب وقبائل ومناطق، وهو الطريق لمواجهة تقدم تنظيم “الدولة” في البلاد.
ويذكر هايمزاده أن التقرير الذي نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية حول شبهات علاقة المبعوث الأممي السابق برنادينو ليون بالإمارات من خلال كشف رسائله الإلكترونية مع المسؤولين في أبو ظبي زاد في تعقيد الوضع، فيما سمت أطراف ليبية فضيحة المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا بـ“ليون غايت” ما وجه ضربة قوية للثقة في المنظمة الأممية، حيث اتفق طرفا النزاع على توجيه انتقادات للمبعوث الأممي وللمشروع السياسي الذي اقترحه ورفضه طرفا النزاع.
ويشدد هايمزاده أن أسباب الانسداد الذي وصلت إليه جهود ليون، لا يجب أن تمنع التحليل الموضوعي لحدود طريقة عمل المبعوث الأممي السابق.
ويذكر الدبلوماسي الفرنسي أن الهدف المعلن للحوار الوطني الذي تبنته الأمم المتحدة في سبتمبر2014، هو تشكيل حكومة وحدة، وإجراء استفتاء حول الدستور الجديد للبلاد، ومن ثم إجراء انتخابات جديدة.
واكتفى الحوار في البداية بالتفاوض مع البرلمان المعترف به دوليا قبل أن يتوسع ليشمل عدة أطراف فاعلة في ليبيا.
ويرى هايمزاده أن طريق الخطوات الصغيرة التي تبناها ليون، أدى على الأقل إلى تجاوز الانسداد الحاصل بين طرفي النزاع الكبيرين، أي برلماني طبرق وطرابلس، بالإضافة إلى إشراك المجالس المحلية المنتخبة وزعماء الأحزاب السياسية.
ويقر هايمزاده أن هذا التمشي أدى إلى تجاوز نقاط الخلاف الأولية، ما أدى في النهاية إلى الإمضاء على مشروع الاتفاق الأولي بالصخيرات يوم 11 يوليو الماضي، لكن تبين حدوده وهشاشته بانسحاب المؤتمر العام من المفاوضات قبيل إمضائه.
انشقاقات
ويضيف الدبلوماسي المختص في الشأن الليبي، أن هذا الاتفاق الأولي الذي يسعى لاستئناف العملية السياسية في ليبيا، ينص على تشكيل حكومة وحدة وطنية، يديرها مجلس رئاسي متكون من رئيس حكومة ونائبين يتخذ قراراته بالإجماع، ويكون مقرها العاصمة طرابلس مع اشتراط عودة الخمسين نائبا المقاطعين لأشغال مجلس النواب في طبرق إلى ممارسة مهامهم مع اختيار 90 عضوا من المؤتمر العام وثلاثين من المستقلين لتشكيل مجلس رئاسي، يتولى بالتنسيق مع مجلس النواب مهمة التعيينات المهمة، والمصادقة على القوانين المنظمة للاستفتاء الدستوري والانتخابات المقبلة.
ويشير هايمزاده أن مشروع اتفاق 11 يوليو، لم ينص على إدماج الجماعات المسلحة في أجهزة الجيش والأمن.
وقبل ليون بمطلب المؤتمر العام بإضافة بنود توضيحية في مشروع الاتفاق حول صلاحيات المجلس الرئاسي، الذي يجب أن يضم أعضاء من المؤتمر وتعيين ثلاثة نواب لرئيس حكومة الوحدة، يمثلون الثلاث مناطق التاريخية في ليبيا، لتعود الأطراف إلى التفاوض في أغسطس الماضي، لكن مجلس نواب طبرق –الذي قبل في البداية بهذه التعديلات– أعلن رفضه لمشروع الاتفاق الجديد، لتعود حالة الانسداد، دون أن يغلق أي من أطرف النزاع باب الحوار.
وقبيل نهاية نيابة ليون في ليبيا المرتقبة يوم 20 أكتوبر الماضي، أعلن ليون في 8 أكتوبر على تشكيل مجلس رئاسي لحكومة الوحدة الوطنية، رفضته مختلف أطراف النزاع بتعلة عدم استشارة طبرق وطرابلس في مشروع الاتفاق.
ويقدر هايمزاده أن هذا الرفض مرده تصلب شخصيات وسط طرفي النزاع، ترى أنه تم إبعادها من المشهد، من خلال عدم منحها مناصب.
ويخلص الدبلوماسي الفرنسي إلى القول إن ملامح الانشقاق بين طرفي النزاع تؤكد حالة التشرذم الذي وصلت إليه البلاد، حيث ظهرت انقسامات في تحالف قوات “فجر ليبيا” في طرابلس، ووسط قيادات عملية “الكرامة” العسكرية بقيادة خليفة حفتر شرق البلاد، بخصوص الموقف من حكومة الوحدة الوطنية المقترحة من قبل الأمم المتحدة.
هذا وقد قبلت كل من كتائب مصراتة وغريان غرب البلاد بمشروع الاتفاق وابتعدت عن الكتائب الإسلامية الرافضة لمشروع الاتفاق.
ويشير هايمزاده أن النواة الصلبة لـ“فجر ليبيا” تتمثل في أعضاء المؤتمر العام والمفتي الشيخ صادق الغرياني ومقاتلي “الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة” سابقا والعدد من زعماء كتائب طرابلس والزاوية ومصراتة.
ويشير الدبلوماسي الفرنسي إلى أن عددا من المدن الموالية لـ“فجر ليبيا” قبلت بإمضاء اتفاقات ثنائية تقضي بوقف إطلاق النار مع جيرانهم المساندين لحفتر في الزنتان وورشفانة والنوايل، فيما التزمت القبائل الأمازيغية بالحياد.
مصالح
أما قبائل مصراتة التي تشكل العنصر الأقوى في قوات “فجر ليبيا“، فقد ظهرت بينها انقسامات حول مسار الحوار الوطني، حيث صدر بيان لـ 60 قائدا لكتائب مصراتة انتقدوا فيه إمضاء المجالس البلدية في كل من مصراتة وبنغازي لمشروع اتفاق الصخيرات، في ظل غياب ممثلي المؤتمر، ومن بعدها بيوم واحد أصدر 26 قائدا لكتائب أخرى في مصراتة بيانا يدعم فيه المجالس البلدية الممضية على الاتفاق.
ويقدر هايمزاده أن الخلاف كان واضحا وسط قيادات “فجر ليبيا“، بين القيادات التي تمثل مصراتة والقابلة بمشروع الاتفاق وقادة الكتائب الثورية بطرابلس الواقعة تحت سيطرة وزارة الداخلية.
ويشدد الدبلوماسي الفرنسي على أن الخلاف لم يكن متعلقا بانقسامات أيديولوجية كما يتصور البعض، بل بصراعات بين مدن ليبية ومخاوف من تغول محتمل للطرف المقابل بين مصراتة وطرابلس.
ويضيف هايمزاده أن الخلافات تشمل أيضا الأطراف الفاعلة شرق البلاد، حيث يتكون المجلس من 138 نائبا، بعد مقاطعة خمسين نائبا لأشغال المجلس المنعقد في طبرق، قبل 91 منهم أغلبهم من نواب طرابلس وفزان بمشروع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، فيما رفض 47 معظمهم من نواب برقة مشروع الاتفاق.
ويخلص الكاتب إلى القول إن أحدا من الأطراف داخل شقي النزاع لم ينجح في فرض رؤيته، مضيفا أن تمديد المؤتمر العام لولايته لا يخفي عجزه، فيما يرفض نواب المجلس المنعقد في طبرق الممثلين لمناطق فزان وطرابلس هيمنة قبائل برقة على الحكومة المؤقتة بإدارة عبد الله الثني الموالية لـ” الجيش الوطني الليبي” بقيادة حفتر، والذي يرى فيه هايمزاده مجرد “كتيبة قبلية مسلحة” ضمن العدد الكبير للكتائب في البلاد، حيث فشلت هذه القوات في السيطرة على بنغازي ودرنة، التي يتكون معظم سكانها من “نازحين” أصيلي منطقة طرابلس، وغير منتمية للقبائل “السعدية” التسعة التاريخية في برقة.
ويرفض رئيس مجلس النواب عقيلة صالح مشروع تشكيل حكومة الوحدة، بالرغم من معرفته أن فريقه يشكل أقلية في المجلس، ولجأ إلى تأجيل جلسات المجلس بتعلة سفره المتواصل، حيث أجل جلستي 10 نوفمبر و15 نوفمبر المفترض أن تناقشا حكومة الوحدة، بتعلة سفره إلى السعودية للمشاركة في قمة عربية لاتينية، فضلا عن سفره إلى باريس للمشاركة في اجتماع اليونسكو.
أما رئيس الحكومة المؤقتة عبد الله الثني فقد سافر إلى دبي لمشاهدة عرض جوي، ما جعل هايمزاده يقول إن هذه السفرات غير المجدية للمسؤولين شرق البلاد، أدت إلى فقدان الثقة الشعبية فيهم، في الوقت الذي يعاني فيه الليبيون من نقص إمدادات الكهرباء، ما أدى إلى مزيد انغلاق الليبيين على مدنهم ومناطقهم الجغرافية.
ويفسر هايمزاده قبول إبراهيم الجضران –الانفصالي الذي يسيطر على كل المنشآت النفطية في خليج سرت لمشروع حكومة الوحدة– يعود إلى إدماج عدد من أفراد عائلته في حكومة الوحدة ، وليس لحرصه على وجود سلطة مركزية قوية.
عراقيل
ويقدر هايمزاده أن مهمة المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا مارتن كوبلر، لن تكون سهلة، حيث يجب عليه أولا استعادة ثقة الأطراف الليبية في الأمم المتحدة، بعد فضيحة ليون، من أجل الحفاظ على مكتسبات الحوار الذي جرى تحت قيادة ليون، علاوة على أن عامل الوقت سيكون عاملا حاسما في مشهد سياسي معقد، مع صعوبات اقتصادية، مردها تعطل تصدير النفط، وبداية نفاد احتياطات مصرف ليبيا المركزي.
ويخلص هايمزاده إلى القول إن الوقت يضغط بشدة على مسار الحوار في ليبيا، خاصة مع دخول “داعش” على الخط، رغم أن الأراضي التي يسيطر عليها في كل من سرت وطرابلس تعد صغيرة، لكن ذلك لا يمنع توسعه مع انشغال أطراف النزاع بالصراع على النفوذ وإدارة خلافاته الداخلية.
ويقر الكاتب أن الانقسام الشديد داخل ليبيا وهيمنة منطق العنف يصعب عملية بناء الدولة الليبية، لكنه شدد على أن الخيار السياسي لم يمت بعد، مع آمال معظم أبناء الشعب الليبي في بناء دولة وأمة موحدة.