الباحث في الشّؤون العسكرية توفيق هامل لـ “الشعب”
الإنتقائية في التّعامل مع الشّبكات الإرهــابية سبب انتشارهـا واخـتراقهــــا الحدود والأوطـان
الهشاشة الأمنية في السّاحل غذّت جماعات التطرف والموت
حدّد الباحث في الشّؤون العسكرية توفيق هامل في حديثه لـ “الشعب”، الجريمة المنظّمة ضمن التّهديدات العابرة للحدود التي لم تسلم منها دولة أو منطقة، وتشمل هذه التّهديدات التّهريب، القرصنة، تبييض الأموال، المتاجرة بالبشر، السّلاح والمخدرات.
وعن وجه الشّبه بين الارهاب والاجرام المنظّم، قال هامل إنّه إذا كان الدافع بين الظّاهرتين متباين، حيث أنّ الأوّل تحرّكه في الغالب دوافع سياسية ويتبنّى العنف أسلوبا، فالجريمة المنظّمة يحرّكها الرّبح المادي كدافع أساسي، ومع هذا الاختلاف، فبين الاثنين نقاط تقاطع كثيرة يعرضها الخبير في هذا الحوار مع “الشعب”.
❊ الشعب: باتت الجريمة المنظمة خطرا كبيرا على العالم، فما تعريفكم لها، وما العوامل التي أدّت إلى استفحالها ؟
❊❊ الباحث توفيق هامل: ليس هنالك تعريف واحد متّفق عليه للجريمة المنظّمة، لكنها تدخل ضمن التّهديدات العابرة للحدود التي تتمثّل في الأنشطة التي تقوم بها الفواعل غير “الدولتية” (لكن ليس حصرا) التي تتجاوز الحدود الوطنية، ولديها تأثير إقليمي أو حتى عالمي من حيث ظهورها، الوقاية منها وآثارها المباشرة أو غير المباشرة تشمل أكثر من بلد واحد.
يمكن تقسيم التهديدات العابرة للحدود إلى فئتين، وظيفية: التهريب، القرصنة، الاتجار بالبشر والتي وظيفتها تعتمد على حركة تنقل السلع والبضائع. والفئة الثانية، الأعمال الإرهابية والتي وظيفتها تعتمد على حيازة الأسلحة (بدائية أو معقّدة) من قبل الفواعل الغير الدولتية.
وبالطبع هناك صلة واضحة بين هذه الأنشطة الموازية، التهريب على سبيل المثال يسمح بنقل الأسلحة للإرهابيين، الجماعات الإرهابية والإجرامية عادة ما تستعمل نفس المسارات والمسالك والتكتيكات كتبييض الأموال باتباع نفس الطرق والوسائل، والقيام بأنشطة موازية ومتعدّدة.
فالجماعات الإرهابية والإجرامية تتقاسم خصائص مشتركة، وهي عادة ما تقوم بعمليات تسعى من خلالها لإضفاء نوع من الشرعية على أنشطتها والحصول على تأييد الناس والسيطرة على المناطق التي تنشط بها، بالإضافة إلى العمل على إنشاء وتطوير تنظيمات سرية تسهر على متابعة وتنفيذ العمليات الخفية. هذه الحلقة الغامضة تقوم على تأمين رؤوس الأموال عن طريق وسائل محظورة قانونيا، بالحصول على الأسلحة ومعدات الاتصال والمعلومات الضرورية، وفرض الانضباط داخل التنظيمات والأراضي التي تنشط بها. كما لا تعترف هذه الجماعات الارهابية والاجرامية بالمعايير الدولية ولا بسيادة القانون أو بحقوق الإنسان، وهي على استعداد لتصفية كل من يتعرّض لها.وتحرص هذه التّنظيمات كلّ الحرص على التحكم في التكنولوجيات الحديثة واستخدامها لتحقيق أهدافها.
جماعات إرهابية تتغذّى بالتّناقضات
❊ للجريمة المنظّمة آثار كبيرة على الاقتصاد والسياسية والأوضاع الاجتماعية للدول، كيف ذلك؟
❊❊ باستثناء الإرهاب، أغلبية التهديدات العابرة للحدود بما في ذلك الجريمة المنظمة تحتل مكانة هامشية على جدول أعمال الدول فيما يخص الأمن القومي والعالمي مقاربة بالمنافسة الجيوسياسية والحروب الإقليمية، ومع ذلك فالجريمة المنظّمة تشكّل تهديدا للاقتصاد الوطني ولسلامة المواطنين والنسيج الاجتماعي، وتأثيرها على المجتمع شبيه بأضرار النمل الأبيض على منزل خشبي، إنها مثل السرطان حيث تظهر الأضرار مع الوقت.
ونسجّل بأنّ هنالك ميل لتجاهل والتقليل من خطورة الجريمة المنظمة من طرف مؤسسات الدولة، كما نسجّل بأنّ الجماعات الإجرامية لها القدرة على التكيف والمواجهة على غرار الجماعات الإرهابية، وقد طوّرت هياكلها التنظيمية وأصبحت منقسمة إلى مجموعات صغيرة خلوية “عنكبوتية” ذات وظائف وأنشطة متعددة وأكثر انتشارا. وفي السابق كانت تعتمد على هياكل هرمية يتحكم فيها عدد قليل من الأشخاص عكس اليوم، حيث أصبح من الصعب تحديد واستهداف هياكل القيادة عن طريق ضربات جراحية دقيقة، أضف إلى ذلك الحدود الفاصلة بين الإرهاب والجريمة المنظمة أصبحت فضفاضة.
❊ رغم القوانين الرّدعية والاتفاقيات الدولية إلاّ أنّ الجريمة المنظّمة في تنامي مطرد، ألا تعتقدون بأن ذلك راجع إلى الحماية التي يتمتّع بها روّادها من أعلى المستويات؟
❊❊ صحيح، هناك أشخاص يتمتعون بالحماية، وهناك تقاعس حتى من الدول المتقدمة في محاربة الجريمة المنظمة، أضف إلى ذلك، ليس هناك صرامة في تطبيق القوانين والاتفاقات الدولية، وكثيرا ما يسجّل تردّدا في تقاسم المعلومات والخبرات، والأولوية عادة ما تعود إلى الرهانات الجيوساسية في أجندة الدول خاصة الكبرى. العولمة النيوليبرالية تعدّ من أهم الأسباب وراء استفحال الجريمة المنظمة كونها أدت إلى هشاشة الدول (خاصة النامية)، وخلق الاضطرابات والصراعات وتعميق الفجوة بين الفقراء والأغنياء. إنّ عدم الأمن والاستقرار يؤديان إلى استفحال الجريمة المنظمة، والعكس صحيح، فتجارة المخدرات مثلا تساهم في زيادة خطر الإرهاب من خلال 05 آليات، وهي توفير الدعم المالي ورؤوس الأموال، خلق الفوضى وعدم الاستقرار، تعزيز الفساد، توفير التغطية والبنية التحتية المشتركة للأنشطة المحظورة، المنافسة على المواد والاستعلامات، فبدلا من أن تسخر الدول المستهدفة مواردها لمحاربة الإرهاب مثلا، عليها أن تخصّص جزءا منها ومن جهودها لمحاربة تجار المخدرات.
أثر الجريمة المنظّمة عميق حيث تهدّد مؤسسات الدولة والأمن البشري، وتزيد من صعوبات المسافرين والتجار والمستثمرين، ولها تأثير سلبي على السياحة.
أخطر الجرائم حسب التّعريف الأممي
❊ بين الجريمة المنظّمة والإرهاب وجهان لعملة واحدة حسب الخبراء، ما تعليقكم؟
❊❊ في تنفيذ أنشطتها المحظورة، تختلف دوافع وسلوكات الجماعات الإرهابية والمنظمات الإجرامية، لكن الأزمات والكوارث الإنسانية والحروب وحركات التمرد أصبحت تفرض فرصا سانحة لهذه الجماعات لتحقيق أهدافها. والاتفاقيات والمعاهدات الدولية تخلط بين الإرهاب والجريمة المنظمة.
قانونيا، الإرهاب سلوك إجرامي، وقد وصفت الأمم المتحدة الإرهاب أنه شكل من أخطر أشكال الجريمة المنظمة العابرة للحدود، فالإرهاب هو استراتيجية مستخدمة لتحقيق أهداف عرقية، دينية، أو ثورية أو سياسية، أما الجريمة المنظمة فتسعى إلى كسب الربح المادي بطريقة غير قانونية عن طريق تهريب الأسلحة، المخدرات، الاتجار بالبشر، القرصنة وتبييض الأموال، لذلك من الصعب تصور وجود علاقة وطيدة وتعاون بين الإرهابيين الذين يتحركون بدوافع سياسية ويستعملون العنف من أجل الوصول الى السلطة، وبين العصابات الإجرامية التي يحرّكها الربح المادي كدافع أساسي، لهذا فأهداف الطرفين مختلفة.
هذا الاختلاف يتعدّى مسألة التعريف، فهذا الفرق يفسّر أيضا خيارات الفواعل وإستراتيجيتهم المتبعة والوسائل المعتمدة والهياكل التنظيمية القائمة، لهذا يرفض العديد من الخبراء معاملة العصابات الإجرامية على أنها مسألة أمن دولي، فهي تنظيمات اقتصادية وليست سياسية، لا تشكل نفس التحديات للدولة كتلك التي تشكلها الجماعات الإرهابية، الجريمة مسـألة داخلية، تطبيق القانون والأمن القومي يستندان إلى فلسفات وهياكل تنظيمية وأطر قانونية جد مختلفة.
ورغم الاختلاف، هناك تداخل بين الظاهرتين، فالجماعات الإرهابية والإجرامية على حدّ سواء تلجأ إلى استعمال العنف للحصول على السلطة بالنسبة للأولى وللربح بالنسبة للثانية.
ونظريا يمكن اعتبار الارهابيين كمجرمين دوليين لأنهم يرتكبون أفعالا تحظرها القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية، كما أنّهم يستعينون بشكل متزايد بالأنشطة الإجرامية لتمويل أعمالهم الدموية.
الجريمة أصبحت حجر الزاوية في تمويل وتشكيل الأعمال الإرهابية، أضف إلى ذلك الجماعات الإرهابية والإجرامية تعمل اليوم ضمن هياكل تتسم باللامركزية وتميل إلى استهداف المدنيين، وتستعمل تكتيكات متشابهة مثل خطف الرهائن، تهريب المخدرات، وغالبا ما تستعمل نفس الطرق، بما في ذلك غسل الأموال ولها نشاطات متعددة ومتوازية، لذلك على الجزائر الأخذ بعين الاعتبار خطر الجريمة المنظمة خلال إعداد إستراتيجية مكافحة الإرهاب.
❊ الخطر الذي يمثله الإجرام المنظم لا يقل خطورة عن الإرهاب، فلماذا يتوحّد العالم في حروب لمكافحة هذا الأخير ويتقاعس عن مواجهة الجريمة المنظّمة؟
❊❊ العالم لم يتوصّل إلى مفهوم مشترك للإرهاب، ما يعني أنه لا يمكن الحديث عن توحد عالمي لمكافحته، فلكل دولة قائمة الجماعات الإرهابية الخاصة بها، ومع هذا فإنّنا نسجّل تركيزا على مسألة مواجهة الارهاب، في حين أصبحت مكافحة الجريمة المنظمة أمرا ثانويا في أجندة الدول الكبرى. وهذا التهميش راجع إلى كون أضرارها ليست آنية، ولا يمكن التلاعب بهذه الظاهرة كما يحدث مع الإرهاب.
الهشاشة الأمنية في السّاحل ولدت الإجرام
❊ في أيّ جيب تصبّ الأموال المتحصّل عليها من وراء الجريمة المنظّمة؟
❊❊ حتى الدول بما في ذلك المتقدمة والديمقراطية تستفيد بطريقة غير مباشرة من الأموال المتحصل عليها، في ظل العولمة الاقتصادية والمصرفية والإبقاء على السرية المصرفية والملاذات الآمنة التي يحصل عليها المهربون. لقد أصبح من الصعب متابعة حركية رؤوس الأموال، حيث الجماعات الإجرامية تلجأ إلى غسل الأموال.
❊ تتّفقون معي كون السّاحل من أكثر مناطق العالم استقطابا للجريمة المنظّمة، فما سبب ذلك؟ وكيف السّبيل لمواجهة هذا الخطر الذي يضع أمن واستقرار المنطقة على المحك؟
❊❊ اقتصاديات الحرب الجديدة مبنية على أساس النّهب والسوق السوداء، ومدعومة باستمرار العنف، هذا ما يحدث اليوم في الساحل حيث الجماعات الإرهابية والإجرامية تستعمل نفس المسارات والمسالك والشبكات لتسهيل أنشطتها المتعددة، قبل أن يصبح مختار بلمختار من اخطر الإرهابيين في العالم، كان مختصا في تهريب السّجائر حيث لقّب بـ “مستر مارلبورو”.
تاريخيا، إفريقيا لعبت دورا هامشيا في تجارة المخدرات، لكن في السنوات الأخيرة أصبحت نقطة عبور هامة، وفقا للتقديرات الأخيرة، كل عام ما بين 46 و300 طن متري من الكوكايين من أمريكا الجنوبية تمر غرب إفريقيا باتجاه أوروبا. هناك تداخل بين الجماعات الإرهابية والإجرامية في الساحل، لكن الساحل يبقى منطقة عبور أكثر ممّا هو مسرح عملياتي للجماعات الإجرامية.