أورد اليعقوبي في كتابه ”البلدان“ و الذي زار القيروان خلال القرن التاسع ميلادي انه ” في مدينة القيروان أخلاط من الناس من قريش، ومن سائر بطون العرب، من مضر، وربيعة، وقحطان، و بها أصناف من العجم، من أهل خراسان، ومن كان وردها مع عمال بني هاشم من الجند، وبها عجم من عجم البلد البربر والروم وأشباه ذلك “
و يظهر جليا مما شاهده اليعقوبي أن التركيبة السكانية للقيروان خلال الفترة التي سبقت زحف بني هلال تميزت بتنوعها من خلال وجود عناصر عربية و غير عربية من بربر و أعاجم، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل أن سكان القيروان قبل نزوح الجلاص اليها في الستينات من القرن العشرين هم أحفاد سكان القيروان ما قبل الزحفة الهلالية؟ .أي هل أن أهل القيروان و العائلات القيروانية التي تنتسب الي القيروان شكلا و مضمونا هم امتداد لنفس التركيبة السكانية للفترة الأغلبية و الصنهاجية؟ أم أن تلك التركيبة القديمة قد تلاشت تماما و حلت محلها تركيبة سكانية جديدة لا علاقة لها بالسكان القدماء للقيروان خاصة إثر الزحفة الهلالية و ما يمكن أن يكون قد حصل بعدها من سيطرة للبدو علي المدينة؟.
للتعرف علي أصول التركيبة السكانية للقيروان اليوم من خلال بعض المصادر:
– كدراسات و كتب لأساتذة التاريخ والتي تناولت تاريخ القيروان و التي سنتعرض إلي ذكرها ،
– و كذلك الي الكتب التراثية ككتاب معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان لابن ناجي و كتاب الإتحاف لأحمد إبن الضياف و كتاب المؤنس في تاريخ تونس لابن دينار ،
– يضاف إلي ذلك، مصدر هام لا سبيل للاستغناء عنه وهو الرسوم الخطية لعدول الإشهاد و التي تعتبر خاصة القديمة منها كنز لا يقدر بثمن، إذ حافظت تلك الكتائب على انساب العديد من العائلات بل و سجلت جل المعامـــــلات و الاتفاقات اليومية بين القيروانيين و التي شملت جميع مجالات الحياة العقارية و التجارية و الفلاحية وكذلك الشخصية من خلال ما تم تحريره من عقود زواج ورسوم وفاة و حجج ضبط مخلف و فرائض،
– كما لا يمكن أن ننسي مصدر آخر لا يخلو من الأهمية وهي الذاكرة الجماعية لأهل القيروان و التي تزال حية تثير الكثير من الإعجاب و تدل علي عظمة سكان هذه المدينة و طبيعة سكانها التي تمزج في نفس الوقت بين التواضع و الأنــفة و عزة النفس.
إذن فما هي الأصول السكانية لأهل القيروان اليوم؟
1/ السكان العرب
من المؤسف حقا أن المؤرخين التونسيين تغافلوا عن دراسة تاريخ القيروان ما بعد 1057 م أي ما بعد زحف بني هلال بالرغم من توفر المراجع و الوثائق التاريخية إضافة إلي الشواهد التي لا تضع مجالا للشك في أن القيروان و بالرغم من النكسة بقيت ثاني أهم المدن التونسية بعد تونس العاصمة بداية من العهد الحفصي إلي حد مقدم الفرنسيين سنة 1881 ، بل ان هؤلاء المؤرخين و بدون أي دليل علي ذلك ادعوا ان القيروان انتهي امرها مع الزحفة الهلالية.
كما انه و من المؤسف أيضا ما توحي إليه بعض الكتب المدرسية من أن تاريخ القيروان قد توقف عند سنة 1057 ميلادي اثر مقدم بنو هلال ، وهو ما يبعث علي الاعتقاد الخاطئ الذي لا دليل حقيقي عليه على أن التركيبة السكانية للمدينة قد تغيرت تماما واستبدلت بعناصر جديدة وافدة إليها كبنو هلال مثلا.
ولكن ما يمكن قوله بخصوص هذا الموضوع و اعتمادا علي وقائع تاريخية ثابتة يؤكدها العقل و المنطق انه و الحمد لله فإن أعراب بنو هلال لم يستقروا بالقيروان علي اثر تخريبهم لها، فهي بالنسبة إليهم و من الناحية الجغرافية و المناخية ،مكان لا يرقي إلي مستوي الهدف التي من اجله غامروا بالقدوم إلي افريقية، متكبدين أهوال السفر و الحروب ،ذلك أنهم قدموا إلي تونس الخضراء تلك البلاد المخضـــــــــرة اليانعة بسهولها الخصبة و جبالها المخضرة و مياهها المتدفقة التي تكفي و تزيد كمرعي لجمالهم و خيولهم و أغنامهم ، فالقيروان مدينة تحيط بها سباسب مقفرة و المياه بها شحيحة و مالحة، كما أن القيروان لا تعدوا أن تكون سوي مدينة جعلت لسكنى الحضر، فهي لا تتناسب مع طابع بداوتهم المؤسس علي الترحال و التنقل من مكان إلي مكان،بحثا عن الكلأ و المرعي و تحين فرصة الغارة و الحرب ،
فضلا علي أن بنو هلال لم يؤتوا إلي تونس لتأسيس ملك أو حكم جديد يخلف بنو صنهاجة فطموحاتهم محدودة لا تتعدي الرغبة في السيطرة علي مجال واسع من المرعي يضمن لهم البقاء و الاستمرار .لذلك لم ينزلوا عن صهوة جيادهم لما دخلوا القيروان سنة 1057 ميلادي و سرعان ما سارعوا إلي استكمال ما شرعوا فيه و هو البحث عن الأرض الخصبة الموعودة، تاركين أهل القيروان في حالة بؤس و شقاء.
و من بين الباحثين القلائل نجد الأستاذ روبار برنشفيك الذي له الفضل الكبير في دراسة كيفية أعادة إعمار القيروان بعد خرابها ونورد مقتطف من كتابة تاريخ افريقية في العهد الحفصي و الذي نقله إلي العربية الأستاذ حمادي الساحلي :
” إلا أن المدينة المسكينة قد تمكنت من النهوض من كبوتها و البقاء على قيد الحياة بعد تلك النكبة، و يبدو أن السكان أو من تبقي منهم ، قد تولوا بعد ذلك الهجوم المخرب تدارك بعض مساوئ الكارثة. ففكروا اولا، تحت ضغط المعطيات الدفاعية ، في إقامة أسوار جديدة و لكنهم ادركوا، بتواضع حكيم ، أن الوضع الذي أحدثته الكارثة يفرض عليهم تحديد طموحاتهم أكثر من الماضي. فقد أصبح من اللازم ، ضمانا للأمن المتزعزع ، التجمع في مجال أضيق ، علي مستوى مدينة ناقصة السكان و المباني. فلم تمض أكثر من عشر سنوات على الزوبعة ، حتى اقبل القيروانيين بمهارة و حزم على اجتياز هذه المرحلة الأولى في طريق انتعاشهم الاجتماعي ، وعندما شاهدوا أن رسم السور الجديد الأضيق من قبل ، قد اضر بمصالح بعض الخواص ، عرفوا كيف يجتازون تلك العقبة . من ذلك أن الشيخ عبد الحق السيوري ( المتوفى حوالي 1068 م) قد احتج عبثا احتجاجا صارما حتى لا يبقي منزله خارج السور.“
و علق روبار برينشفيك علي ما أورده الإدريسي الذي زار القيروان و أشار إلي خضوع سكانها إلي عادات البدو بان ما شاهده الادريسى لا يعكس عزيمة القيروانيين في تجاوز المحن و الإصرار علي البقاء,فكتب يقول ”وقد أثبتت الأيام صحة هذا التنبؤ, إذ ظهرت آثار النهضة القيروانية اثر الاحتلال الموحدي عندما تمكن الحفصيون من تركيز حكومة مستقلة و قوية بما فيه الكفاية بافريقية, فقد خف الضغط البدوي شيئا فشيئا و هو ما اشعر أهل القيروان بالتنفس بأكثر حرية“.
إذن الزحفة الهلالية لم تكن بالكارثية التي وصلت إلي حد تهجير سكان مدينة القيروان ، بل بالعكس هناك شواهد عديدة تدل علي بقاء أهل القيروان في مدينتهم بالرغم من النكسة الأليمة التي حلت بهم فليس من السهل علي الإنسان مفارقة الأوطان و ترك الديار سيما و أن الخطر قد زال و العدو قد ارتحل لذلك فان الأصول العربية التي شاركت في الفتح الإسلامي بقيت بالقيروان بالرغم من النكسة .
و تأكيدا علي ذلك فقد أورد الأستاذ محمد المرزوقي في كتابه علي هامش السيرة الهلالية ( ص 63) ” أن جنود الفتح بقي جزء وافر منهم في افريقية التونسية و لم تزل إعقابهم في عواصم البلاد إلي يوم الناس هذا ولا سيما بمدينة القيروان وهم محافظون لحد الآن علي أنسابهم محافظة عجيبة ، وقد تأثرت اللهجة التونسية بكثير من كلامهم و أوضاعهم الخاصة بهم.“
وهذا الاستنتاج الذي وصل إليه الأستاذ محمد المرزوقي أكده سلفه احمد ابن أبي الضياف في كتابه الإتحاف في عديد المواضع و سار علي نفس الرأي حسن حسني عبد الوهاب .
وهو موقف راسخ لدي المؤرخين التونسيين المعاصرين إذ كتب سمير البكوش أستاذ التاريخ المعاصر في كتابه ” القيروان1881 1939“ ص 27 ” يتميز المجتمع القيرواني قبيل التدخل الاستعماري بوجود … فئة الأعيان وهم أساسا أعيان الدين و السياسة وهم السكان الأصليون للمدينة الذين استقروا بها … و نسب جلهم من العرب الفاتحين ومن أهم هذه العائلات الصدم اليمني، و العلاني الأنصاري ، و العواني الحسيني ، و الصدفي ، و الغرياني الداودي الطائي، و الرماح القيسي ، و النخلي القصراوي ، و بوراس الهذلي ………..“ .و القائمة تطول.
إذن يستخلص مما سبق ذكره أن القيروان ما بعد الزحفة الهلالية ضلت محافظة علي مقوماتها الأساسية التي كانت لها قبل الزحفة الهلالية وذلك في ما يتعلق بالحضور العربي و المحافظة علي نمط العيش الحضري بالرغم من عاديات الأعراب و الخضوع القصري إلي سيطرتهم أحيانا ، وبالفعل إذ استطاعت هذه المدينة الصمود أمام ترييف المجال الجغرافي التونسي تحت وطأة القبائل الهلالية. و في هذا السياق كتب المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان واصفا الوضع السكاني و الحضري بافريقية في عهد بني حفص ما يلي ” باستثناء المناطق المطلة علي البحر فان توزع المدن في البلاد تغير كثيرا تحت تأثير هجمات البدو و لا نكاد نجد إلا الواحات و أخيرا القيروان و قسنطينة و هما المدينتان الوحيدتان داخل البلاد اللتان احتفظتا بمركزيهما و أن علم الآثار يشهد بذلك بالنسبة إلي مدينة القيروان“.
2/ العنصر الصقلي
إن قدوم عناصر صقلية إلي القيروان و استقرارهم بها بعد فشل تجربة التعايش بين المسلمين و النورمان غير مستبعد وهي فرضية ساقها الأستاذ محمد العنابي في تعليقه علي كتاب تكميل الصلحاء لأعيان القيروان الذي حققه بنفسه إذ لاحظ أن بئر روطة ترجع تسميته بذلك الاسم إلي باب من أبواب مدينة بلارم بصقلية يعرف بباب روطة، و روطة نهر كبير يهبط من هذا الباب.
و قد لاحظ الأستاذ محمد العنابي و في نفس المصدر السالف الذكر أن العرب لما فتحوا صقلية و رجع من رجع منهم إلى القيروان نقلوا أسماءا كثيرة لجهات من صقلية و أطلقوها علي مثلها بالقيروان مثل سرديــــــــانة و روطة فقيل بير روطة ولكثرة استعمال ذلك الاسم أصبحت التسمية بروطة.
3/ المزارعين العرب أحفاد الجنود الفاتحين
خلال القرنين الثالث و الرابع عشر ميلادي وفدت على القيروان عديد من العائلات إلي كانت تقطن بقري محيطة بها، وهذه القرى كانت موجودة خلال العصر الوسيط أي خلال العهد الأغلبي وكذلك الصنهاجي، و كان يسكنها أبناء و أحفاد الجنود العرب و اليمنيين الذين شاركوا في الفتح الإسلامي و قد تم إقطاعهم أراضي واسعة في محيط القيروان و في الساحل الذي كان يسمي بادية القيروان لضمان بقاء العنصر العربي في الاراضي المفتوحة منحهم ما لهم الحق فيه من غنائم الفتح ، وأهم هذه القرىالتي كانت تحيط بمدينة القيروان وهو ما ا كان يسمس خلال العهد الوسيط بكورة القيروان اذ نجد المسروقين و صدف و قلشانة و غزة و العلوين و طنيباس و جلولا و البطمة و الروحة و الأصنام . وقد أشار الدكتور محمد حسن في كتابه الجغرافيا التاريخية لافريقية إن هذه ”الكورة“ كانت أهم مكان في افريقية.
غير أن تلك القرى قد اندثرت شيئا في شيئا بفعل غارات البدو عليها لسرقة المحاصيل أو لتوفير المرعي لدوابهم ، وهو ما الجأ سكان تلك القرى إلي القيروان و في نفس الوقت ادي الوضع إلي اندثار تلك القرى الي ان نسيتها الذاكرة الجماعية القيروانية و لم تعد تذكر بالمرة سوي ما ورد بشانها في مواضع عدة في كتاب معالم الإيمان أو من خلال ألقاب بعض العائلات القيروانية كعائلة المسروقي نسبة إلي المسروقين أو الصدفي نسبة إلي قرية صدف أو العلويني نسبة إلي قرية العلوين أو حمامة البطمي و كميشة البطمي و البراق البطمي نسبة إلي بلد البطمة .
4/ العنصر الأندلسي
خلال القرن السابع عشر و في سنة 1611 م بالتحديد وفدت علي القيروان جالية أندلسية هاجرت من الأندلس إلي تونس هربا من محاكم التفتيش الاسبانية ،وقد أنزلهم عثمان داي بالقيروان و بني لهم ربضا أمام باب الجلادين يعرف بربض البراشنة و قد اندمج هؤلاء الأندلسيين مع أهل القيروان و لم ينغلقوا علي أنفسهم كما حصل في عديد المدن التي استقروا بها ، و كانوا صنعة و حرفيين ماهرين ، وقد أقاموا بجانب ربضهم المذكور ربضا آخر خصصوه لصناعة الكريطة يطلق عليه إلي الآن بربض الحديد الذي كان يستخدم في صنع هيكل الكريطة و عجلاتها.
و من بين العائلات الأندلسية التي استقرت بالقيروان علاوة علي البراشنة نجد عائلة الخضراوي نسبة إلي الجزيرة الخضراء وهي حسبما ذكر ياقوت الحموي احدي مدن الأندلس تقع قبلة قرطبة و من رجالات هذه العائلة ”محمد بن يحيى بن هشام الخضراوي الأنصاري الخزرجي الأندلسي “وهو احد اكبر علماء النحو بالاندلس،وقد أقام جماعة الخضراوي حيا خاصا بهم بحي الجامع يعرف إلي اليوم بالخضرواين كذلك نجد عائلة البليش و هي عائلة صنهاجية الأصل كانت تسكن مدينة بلاز بالأندلس حسبما ذكره الأستاذ أحمد الحمروني في كتابه المورسكيون الأندلسيون في تونس (ص 54 ) وقدمت إلي القيروان مع المهاجرين الأندلسيين ، إضافة إلي نجد عائلة بالحاج الأندلسي القيرواني و هو ما أشارت إليه عديد كتائب العدول التي تنسب هذه العائلة إلي الأندلس.
وقد أشار روبار برنشفيك ( نفس المصدر) إلي أن الأندلسيين قد قدموا إلي القيروان منذ القرن الثالث عشر ميلادي خلال العهد الحفصي مستشهدا بأحد الصلحاء وهو أبو الحسن الجياني المتوفي سنة 1288 م أصيل مدينة جيان الأندلسية و الذي عاش بالقيروان ودفن بها و قد تساؤل برنشفيك ألا يحق لنا نفترض وجود ركن أندلسي بالقيروان في العصر الحفصي ؟ خاصة و انه كان يوجد بالقيروان خلال القرنين الرابع و الخامس عشر ميلادي حي يعرف بحومة النباذة ”باعة الخمر“ و حي آخر يعرف بحي المرابطين.
4/ العائلات التركية
استقرار بعض الأسر التركية في القيروان يكون شبه منعدم إن لم يكون معدوما تماما .بدليل انه لا نعلم وجود اسر تركية لا تزال تقيم بالقيروان إلي اليوم عدا بعض العائلات التي لا تتعدي أربعة عائلات وهم عائلة التركي و عائلة بالرشيد و عائلة بن سلامة و عائلة خوجة .و يعود تاريخ اسقرار هذه العائلات بالقيروان خلال الفترة الحسينية و لعلها قدمت مع الحسين بن علي مؤسس الدولة الحسينية عندما اختار القيروان عاصمة لحكمه إبان الفتنة الباشية .
5/ البــربـــــر ( المسراتيين و الوسلاتيين)
القول بوجود البربر في القيروان منذ قديم الأزل ليس غريبا و لا يثير أي عجب . فتواجدهم مؤكدا بشهادة الرحالة الذين زاروا القيروان في العصر الوسيط .
ثم أن البربر سيطروا سياسيا علي القيروان في فترات متعددة سواء كان ذلك أثناء فتح افريقية إذ غزا كسيلة البرنسي القيروان و حكمها في ما بين 684 م و 689 م.ثم إن الصنهاجيين بنو زيري الذين اخذوا المشعل عن الأغالبة بعد أن صار الأمر إلي الفاطميين أليسوا بربر ينتمون إلي قبيلة صنهاجة البربرية. كما أن القيروان إثر زحف بنو هلال وقعت تحت سيطرة قبيلة هوارة البربرية و ضلت محل تنافس بين الفرعان الصنهاجيان المتحاربان بنو زيري و بنو حماد.
كما انه وخلال الثالث للهجرة هاجرت إلي الباطن و هي منطقة تبعد 10 كلم ضهرة القيروان مجموعات من قبيلة نفوسة البربرية قادمة من جبل نفوسة بالقطر الليبي اثر حصول مجاعة حلت بسكان الجبل نتيجة سنوات طويلة من الجفاف. وهو ما ورد في سير الشماخي ص 159.
وخلال بدايات العهد الحفصي و في القرن السادس للهجرة قدمت إلي القيروان عائلات مسراتية وهي فرع من فروع هوارة بعد أن استوطنت مدينة الأربس و هي مدينة كانت تقع في منطقة الكاف وقد أصبحت هذه الأسر المسراتية من بيوتات العلم بمدينة القيروان و تولت طيلة ثلاثة قرون الخطط العليا بالقيروان و تونس العاصمة حتى القرن العاشر هجري السادس عشر ميلادي ومن أبناء هذه الأسرة أبو محمد عبد السلام بن غالب المسراتي الذي تتلمذ علي يد أبي يوسف الدهماني كذلك أبو العباس احمد المسراتي .
و بمرور الوقت تبدلت ألقاب المسراتيين و هو ما كشفت علنه رسوم العدول بالقيروان كانت تضيف إلي اللقب الجديد اللقب القديم كان تذكر فلان بن فلان بودن المسرا تي القيرواني أو فلان بن فلان جابالله المسراتي.
كما تطالعنا رسوم العدول بالقيروان عائلة البليش الصنهاجي نسبة الى قبيلة صنهاجة البربرية أو عائلة بوحديبة الترغودي نسبة إلي قبيلة ترغودة البربرية ايضا .
وكل هذه العائلات البربرية الأصل هي عائلات قيروانية أصيلة عربية الثقافة شان اقتداء المغلوب بالغالب.
غير أن البربر سيتوافدون علي القيروان بأعداد كبيرة خلال القرن الثامن عشر ميلادي حتى غصت بهم المدينة و أحاطوا بسور القيروان إحاطة السوار بالمعصم هؤلاء البربر هم الوسلاتيين الذين أمرهم علي بن حسين بن علي باي سنة 1762 بإخلاء الجبل حتى لا يكون ذلك الجبل مأوي لكل متمرد يروم الانقلاب علي أولي الأمر.
و قد تشرد الوسلات في كامل إنحاء البلاد و قد تحولت جموع غفيرة منهم إلي القيروان وعديد العائلات القيروانية تنحدر من وسلات . و يمكن أن نورد أربعين لقبا عائليا ينحدر صاحبه من جبل وسلات .
خلاصة القول أن أهل القيـــــــــروان اليوم هم في حقيقة الأمر أحفــــاد سكان القيروان قبل الزحفة الهلاليـــــة و أضيفت إلي تلك التركيبة عبر السنين عناصر أندلسية و عناصر عــــــــربية و يمنية جديدة خلال القرنيـــــــــــــــن الثالث و الرابع عشر إضافة إلي عناصر بربرية من مسراتيين و وســـــــــــــــــــلاتيين في حين أن تواجد العنصر الصقلي و التركي يبقي ضعيفا جدا.